حلــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم

أغلقت حقيبتى بهدوء بينما كانت امى تجهش بالبكاء ....فاقتربت منها ......ونظرت إلى عينيها ....تلك العيون التى عرفتها وألفتها منذ أن وعيت على الدنيا .....عين لطالما امتلأت بالحب والحنان .....ولطالما شعرت وأنا أنظر اليهما بالدفء والأمان ....أحببت عينيى أمى وهى تبتسم .....ولكم عشقتها وهى تبكى فلكم كنت أحب رؤية عينيها المملوءة بالعطف والحنو والرحمة ....


قبلت يديها وقلت لها : " لا داعى للخوف على أماه .....لا تقلقى فما هى إلا شهور قليلة لأعود وأرتمى فى حضنك الدافىء .."

قالت لى وهى تمسح دموعها : " لا أدرى لم السبب ......لم الرحيل يا عزيزتى ؟؟ ما الحاجة للسفر إلى الخارج ..إلى مكان لن تشعرى فيه سوى بالخوف وعدم الأمان ..؟؟ لم ؟؟ "

بدأت فى البكاء ثانية فجلست بجوارها وقلت :" أمى ....لطالما حدثتك عن حلمى ...ولطالما عانيت كى أحصل على تلك المنحة الدراسية فى احدى جامعات الغرب ....... وها قد واتتنى الفرصة .....فأرجوك .....أرجوك أماه لا تبكى .......وادعى لى الله عساه يحمينى .....فما أحتاج إليه الآن حقا هو دعاؤك وليس بكاؤك "

تنهدت ببطء ورفعت يدها إلى السماء ودعت لى الله ....تأملتها وهى تدعو لى .....حاولت أن احفر كل خط فى وجهها كى لا أنساه فى رحلتى إلى بلاد المجهول ......حقا إنها بلاد المجهول .......



ركبت السيارة المنطلقة بى إلى المطار .....كانت الشمس تميل إلى الغروب فى مشهد حالم ووديع ..كانت تميل إلى الأرض تحاول تقبيلها...وآشعتها الذهبية كانت تقع على الزروع الخضراء لتودعهم ذلك الوداع الدافىء الحنون.....


أثناء سير السيارة المتسارع على الطريق كنت أنظر من النافذة إلى الشمس .....تلك الكرة المتوهجة .....ذات اللون الأصفر الملون بحمرة الشفق .......كنت أتحدث إليها ويخيل إلى أنها تحدثنى ....أودعتها أمانة....وحملتها رسالة .....


قلت لها : "ها أنا ذا أسير بعيدا ....اكره الوداع ....سأترك أمى وحدها ...كانت تأنس بوجودى معها ...كنت أساعدها فيما تحتاج اليه ....لكن من سيكون معها بعد الآن ؟؟

فردت على بسخرية وقالت : " انت من أراد السعى وراء حلمك التافه .....وتركت من يحبونك للذهاب إلى مكان كل من فيه يكرهك ....

اندفعت فيها غضبا : " ليس خطأى ان أحب الحياه وليس خطأى أن احلم .....انا سأسعى وراء حلمى ...وسأحققه رغما عن الجميع ....هكذا تعلمت .....أن لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس .....

ضحكت باستهتار وقالت :" فتاة طائشة .....لست سوى فتاة طائشة تسعى وراء المجهول ......وتعمل من أجل لا شىء...."

صرخت: " بل أعمل من أجل كل شىء .....من أجل أمى واخوتى ...من أجل بلدى التى رعتنى ....من أجل الإسلام ....من أجل الجميع ....من أجل كل شىء وليس من أجل لاشىء

ردت على فى غضب : " كفى ........كفاكى حلما .....انت لست غبية ....تعلمين ما أنت مقدمة عليه ......تعلمين أن نسبة النجاح ضئيلة .....وتعلمين أن لا أحد سيقدر ما تعملين من أجله .....لذالك فأنت تعملين من أجل لاشىء ...عودى من أرض الخيال وانزلى إلى أرض الواقع ...."

رددت فى يأس : " لكن الواقع صعب .......لن أحتمل التواجد فيه ...ولن أسعد بأحلامى هناك ...وأخشى ألا تتحقق"

ردت على فى استياء :" هناك ......... فى أرض الواقع ستتعلمين كيف تحلمى ......كى لا تخسرى بوقوع حلمك كل شىء .......هكذا أمرتم أن تعيشوا .....فى أرض الواقع الأليم ......ومن يعش فى دنيا الخيال ......فلن يحلم سوى بالمحال "

صمت لعدة ثوان محاولة أن انزل إلى أرض الواقع ....لكنها مرت كالسنوات ....دمعت عيناى حين رأيت حلمى ينهار ....لن أستطيع تحقيق شىء ...أنا مجرد حالمة تعشق الأحلام ......

نظرت إليها ثانية كانت قد ابتعدت عنى قليلا لسرعة السيارة المتحركة ...قلت لها :" سأحملك ذكرياتى أمانة فلا تضيعيها ......سأودع عندك ذكرى لعبى فى الصباح وذكرى سعادتى بالنجاح .....وذكرى حبى الذى تاه وسط الغيوم ....وذكرى أخوتى الذين أحببتهم ...وذكرى أمى التى لم أحب غيرها .....وذكراى وأنا أسافر بعيدا عن وطنى .....عن أهلى وأحبتى .....أودعتك أمانة فاحفظيها ......وها أنا ذا أحملك رسالة ......حين يتجلى وجه أمى من النافذة ....لتنظر إليك وهى تتثائب فى الصباح الباكر ....أخبريها كم أحبها .....وأخبريها أننى لن أستسلم .......لن أيأس .......سأعمل ......سأحاول ......سأجتهد ......سأبذل ما بوسعى لأحقق حلمى .....وأخبريها أيضا أن تدعو لى ......فكم أنا بحاجة إلى دعائها فى كل يوم سأمر به من الأيام القادمة ........"

نظرت إليها بعد أن انهيت حديثى ......كانت قد ابتعدت ......ولكنها لم تختفى ......شعرت أنها تلاحقنى.....تحاول أن تودعنى الوداع الأخير ......تخيلتها كحبيبى الذى لم يخرج يوما من أحلامى ليأخذنى على حصانه الأبيض الجميل ويطير بى بعيدا ........تخيلته يجرى ورائى يلوح بيديه ...ويقول لى وداعا ......


وداعا .......


ولازلت فى حلمى ......أتابع سيرى

وأكمل الطريق إلى هدفى