وفي المستشفى وبعد ثلالة ايام من الغيبوبة افاق الشاب المتهور وراح يصرخ أين ساقي ؟ اين اصحابي الذين كانوا معي؟ أين سيارتي الجديدة ؟ ثم صمت جأة .. وبشكل عجيب أجهش بالبكاء ، وعاد بذاكرته قليلا الى الوراء وراح يتذكر ما حل به وباصدقائه الثلاثة في ذلك الشارع وسط المدينة، وبدأ برواية ماحدث لضابط الشرطة الذي حضر الى المشفى لاكمال التحقيق،….
قال احمد، وقد بدت على وجهه بعضا من علامات الحزن والندم: اتصل بي صديقي علي صباح السبت حوالي الساعة السابعة يقول بأنه وعميد وفراس قد تجهزوا وهم ينتظرونني حيث اتفقا على تمضية ذلك اليوم على الشاطئ واردت كذلك ان اريهم سيارتي الجديدة ..
فقاطعه الضابط : ومن ثم اتجهت الى سيارتك لكي تذهب اليهم وتقلهم ….
اكمل احمد : أجل .. بعد ان اغلقت سماعة الهاتف خرجت من منزلي على الفور ،ثم ادرت محرك السيارة بعد ان شغلت المسجل ورفعت الصوت ، قدت وعبرت بعضا من الجسور والشوارع حتى وصلت الى منزل عميد حيث كانوا هناك ، كان ابو عميد يقف معهم وبينما شرعوا صدقائي يضعون الحاجات في صندوق السيارة اقترب مني ابو عميد الى نافذة السيارة وخفض راسه وقال : ان في التاني السلامة وفي العجلة الندامة ، فأجبته مجاملا :سمعا وطاعا . ثم دخل منزله وصعد رفاقي الى اسيارة وانا ادرت المحرك من جديد واغلقت نوافذ السيارة حتى نستمتع بهواء المكيف البارد ، لقد كان يوما حارا واردنا تقضيته على الشاطئ ، ويا ليتنا لم نتفق ولم نلتقي في ذلك اليوم ….
أخذ صوت بكاءه يرتفع .. كان يعاني من بعض الالم في بقية ساقه التي بترت .. لكن الم الندم اكبر واقوى .. فبدأ الضابط بتهدئته قليلا وطلب منه المتابعة وبعد دقائق تابع احمد القصة …
وأضاف : كان صوت الموسيقى عاليه جدا ..وكنا منتعشين نغني ونضحك ونشرب العصير واشعلنا السجائر، تماما وكاننا داخل غرفة منعزلة لا ندري ما يجول حولنا ، وانا ارى تلك الكتل تمر من جانبي ومن امامي ، كان همي فقط هو الوصول ، ابتعد عن هذه المركبة الى اليسار مرة واتجاوز عن غيرها مرة اخرى ، توجهت الى وسط المدينة بقصد شراء بعضا من الاشياء التي كنا بحاجتها لتلك الرحلة …
توقف احمد عن التحدث وطلب من والده الذي كان يقف امام السرير بعضا من الماء .. فشرب القليل..
وتابع : بينما كنت في الشارع على بعد خمسين مترا عن الاشارة الضوئية وكان عداد السرعة يشير الى الستين ،
اردت استغلال الشارة عند اخر ثوب لها في اللون الاخضر ، ثم تحولت الى الاصفر ، لم أشا التوقف لاني كنت اقود مسرعا … فاسرعت اكثر بعد ذلك ما ان وصلت الى مترا قبلها حتى لبست الحلة الحمراء وعندها .. قطعتها .. اطفئ علي المسجل لانه اراد ان يجيب على هاتفه الخليوي .. واذا بنا نسمع صوت سيارة الشرطة تطالبني بتخفيف السرعة والتوقف جانبا … فنظرت يمينا عبر الزجاج واذا بشرطي في داخل مركبته يلوح لي بالتوقف .. لم أشا ان اخالف .. واصوات الشباب تقول لي لا تصغي .. واحدهم يقول لي : توقف وخفف السرعة لا اريد الموت !.. كان صوت فراس … فتابعت بنفس السرعة واذا بطفلة صغيرة لم تبلغ الرايعة من عمرها تخرج من محل على الرصيف وتتجه نحو الشارع .. في تلك اللحظة لم ارى سوى الطفلة امامي .. توقف قلبي .. واصبحت ارتجف ..لا اعرف ماذا افعل .. سياراتان من الشرطة تلاحقانني من الخلف .. والطفلة اصبحت امامي ..لم يكن لدي خيار الا ان انعطف يمينا .. ودخلت شارعا ضيقا باتجاه واحد واذا بتلك الشاحنة السوداء الضخمة وكانها شبح الموت ظهر امامي فجأة .. كان المشهد رهيبا .. رفاقي يصرخون بي توقف توقف .. حاولت التوقف لكن مؤشر السرعة كان قد تجاوز السبعين … فاندفعت السيارة بقوة كبيرة واصطدمت بالشاحنة .. وعند تلك اللحظة لم اتذكر سوى ابا عميد وما قاله لي .. ثم استيقظت ووجدت نفسيملقى هنا على السرير بلا ساق …
على صوت نحيبه وبكاءه .. تماما كالطفل الصغير .. ودموعه ملئت وجهه وكاس الماء الذي بيده .
فقال الضابط : هل تريد ان تعرف ماذا حل باصقائك ؟
فانقطع بكاء احمد واجاب بصوت متشوق :… اجل بالتاكيد ..ماذا اصابهم ؟ ..
أجابه والده : ان عليا تعرض الى كسور كثيرة وشديدة ، ولن يستطيع الوقوف على قدميه بعد الان ..أما عميد فقد فقد ذاكرته واصيب ذاكرته واصيب بجروح بليغه في جسده ..
قال احمد : وفراس ؟؟!! ..
صمت والده ، واخدت دموعه تشق طريقها عبر خديه بهدوء .. وعيناه تنظران الى الارض .. وسلانه عاجز عن النطق ..
فرد الضابط بصوته المليء بالغضب واللوم والعتب : لقد توفي فراس .. وعندما اخبر الاطباء والده بهذا .. اصيب الاخير في نوبة قلبية اودت به الضحية رقم اثنا عشر بسبب تهورك ..
تفاجا احمد .. وسال مندهشا : الضحية الثانية عشر ؟!
الضابط : اجل .. فبعد ان تفاجأ سائق الشاحنة بك ،تتجه نحوه حاول الالتفاف يمينا فاصطدمت انت بجانب الشاحنة .. ودخل هو الى المتجر وتسبب بمقتل اسرة كاملة ، اب وام واطفالهم الثلاثة على الرصيف .. وخمسة اخرين داخل المتجر من زبائن وعمال ..
لم يستطع احمد تحمل هذه الكلمات … كان يستمع الى الضابط ويحاول تخيل ما حدث ..
ومن شدة الصدمة عجز لسانه عن النطق .. وحتى عيناه لم تعد تدمع .. وكانه دخل في غيبوبته مرة اخرى .. لكنها هذه المرة غيبوبة الاندهاش غيبوبة الالم .. غيبوبة الندم والحسرة .. اجل .. فقد تسبب بمقتل اثنا عشر شخصا بينهم ثلاثة اطفال وصديق عمره وعمه ابو فراس .. لقد تسبب بمصيبة لعائلته ..
وبينما هو في دهشته كانت كلمات الضابط تترد في اذنه وسمعه .. لقد نسي ساقه ونسي المه .. ونسي سيارته الجديدة التي كانت هدية تخرجه وبقي صامتا مذهولا متعجبا ومتحسرا ..
ثم في النهاية .. كتب الضابط على الدفتر اليوم الاربعاء .. تاريخ ../../…
وغادر الضابط غرفة احمد بعد قال كلماته التي كانت كالسم في بدنه .. واغلق دفتر التحقيق ..